النظرية البنائية Constructivism Theory

على خلاف ما كان سائدًا في السابق، نجد أن النظريات الحديثة تفيد بأن التعلم الحقيقي لا يتم بناءً على ما يسمعه الطلبة حتى ولو حفظوه وكرروه مرارًا أمامكم، بل وتؤكد هذه النظريات ومنها النظرية (البنائية) أن الطلبة يبنون معلوماتهم داخليًا متأثرين بمجتمعهم وما يحيط بهم وأن لكل طالب أو طالبة من طلبتكم طريقته الخاصة في فهم المعلومة وليس بالضرورة أن تكون هذه الطريقة مشابهة للطريقة التي تريدون استخدامها في تعليم طلبتكم فإنهماككم في تلقين وإرسال المعلومات للطلبة وتأكيدها وتكرارها لهم لن يكون مجديًا في بناء المعرفة كما يريدها عقل طلبتكم. نظرية مثيرة للاهتمام، أليس كذلك؟

هذا المقال يعرفكم أكثر على النظرية البنائية كنظرية بارزة وأساسية في سلسلة نظريات التعلم والتعليم التي بدأناها معكم.

مفهوم النظرية البنائية

تشتق كلمة البنائية (Constructivism) من البناء (Construction) أو البنية (Structure) وهذه الكلمة مشتقة من الأصل اللاتيني (Sturere) بمعنى الطريقة التي يقام بها مبنى وجميع المصطلحات السابقة مرتبطة بكلمة البنائية لكن الذي يهمكم حقًا معرفته هو المقصود بالنظرية البنائية في التعليم. ما المقصود بها؟ يمكن تعريف النظرية البنائية والتي تعرف أيضًا بالنظرية البنائية الاجتماعية على أنها: رؤية في تعلم ونمو الطلبة قوامها أن الطلبة يكونون نشطين في بناء أنماط تفكيرهم نتيجة لتفاعل قدراتهم الفطرية مع الخبرات الخارجية.

وتُعبّر البنائية في أبسط صورها وأوضح مدلولاتها ﻋن أن المعرفة تُبنى وفق صورة نشطة على يد الطلبة ولا يتم استقبالها بصورة سلبية من البيئة.

أسس ومبادئ التعلم في اﻟﻨﻈﺮﻳﺔ  اﻟﺒﻨﺎﺋﻴﺔ

النظرية البنائية قائمة على مجموعة من المبادئ والأسس، وهي: 

• يتم بناء المعرفة داخل عقول الطلبة ولا تنتقل إليهم مكتملة.
• يفسر الطلبة ما يستقبلونه ويبنون المعنى بناءً على ما لديهم من معلومات.
• للمجتمع الذي يعيش فيه الطلبة أثر كبير في بناء معرفتهم.
• تعلم الطلبة لا ينفصل عن تطورهم النمائي.
• الاستدلال شرط لبناء المفهوم بمعنى أن المفهوم لا يُبنى إلا على أساس استنتاجات استدلالية تستمد مادتها من السلوك.
• الخطأ شرط التعلم لأن الخطأ من وجهة نظر النظرية البنائية فرصة وموقف يتم من خلال تجاوزه بناء المعرفة.
• الفهم شرط ضروري للتعلم.
• التعلم يقترن بواسطة التجربة وليس بالتلقين.

هل لاحظتم أثناء قراءتكم لهذه المبادئ أنكم تتبنون أيًا منها في تعليم طلبتكم؟

إذن، أنتم من مطبقي النظرية البنائية. 

أبرز رواد النظرية البنائية

جان بياجية Piaget

عالم نفس وفيلسوف سويسري طور نظرية النمو المعرفي عند الأطفال التي تُعرف الآن بعلم المعرفة الوراثية كما أنشأ بياجية في عام (1965) مركز نظرية المعرفة الوراثية في جنيف وترأسه حتى وفاته إلى عام (1980) ويعتبر بياجية مؤسس المدرسة البنائية في علم النفس.

جون ديوي Dewey

مربي وفيلسوف وعالم نفس أمريكي وزعيم من زعماء الفلسفة البراغماتية وهي فلسفة تشجع الناس على أن يبحثوا عن الطرق وأن يفعلوا الأشياء التي توضح وتحقق أهدافهم بشكل أفضل لمساعدتهم على تحقيق غاياتهم المرغوبة، ويعتبر ديوي من أوائل المؤسسين للنظرية البنائية ويُقال إنه هو من أطال عمر هذه الفلسفة إذ استطاع أن يستخدم بلياقة كلمتين قريبتين من الشعب الأمريكي هما العلم والديمقراطية.

مفاهيم في نظرية التعلم البنائية

عند قراءتكم في النظرية البنائية أكثر وتمعن النظر فيها ستجدون أن هناك مفاهيم تتكرر باستمرار، إليكم هذه المفاهيم مع توضيحها:

• التكيف: قدرة الأفراد على التعايش والتأقلم مع المحيط المادي والاجتماعي الذي يعيشون فيه.
• التلاؤم: تغيير الأفراد في استجابتهم لموقف معين بعد فهمه واستيعابه بهدف تحقيق التوازن.
• الضبط الذاتي: نشاط ذاتي يقوم به الفرد بواسطة التحكم بمشاعره وانفعالاته بهدف إدارة الموقف وتجاوز الاضطرابات المختلفة.

لاحظوا أعزاءنا القراء أن الفرق بين النظرية السلوكية والنظرية البنائية واضح وجوهري حيث تفيد النظرية السلوكية أن التعلم هو مجرد عملية نقل للمعلومات إلى المتعلم فقط بينما تؤكد النظرية البنائية أن التعلم هو ما يحدث من عمليات فهم وإدراك واستيعاب وتحليل وبناء للمعلومات بعد وصولها إلى المتعلمين.

أبرز الفروقات بين النظرية البنائية والنظرية السلوكية

• تركز النظرية السلوكية على السلوك الظاهر القابل للملاحظة والقياس بينما تركز النظرية البنائية على العمليات المعرفية الداخلية للطلبة.
• دور المعلمين في السلوكية هو نقل المعلومات وتهيئة بيئة التعلم لتشجيع الطلبة على تعلم السلوك المرغوب بينما دور المعلمين في المنهج البنائي هو تهيئة بيئة التعلم لجعل الطلبة يبنون معرفتهم بأنفسهم من خلال تعزيز مشاركتهم في عملية التعلم.
• تعد إجراءات التقويم مختلفة بين النظريتين فالنظرية السلوكية تركز على الاختبارات معيارية المرجع أما النظرية البنائية فتركز على الاختبارات محكية المرجع أو تستخدم التجارب أو الأسئلة مفتوحة النهاية.

الانتقادات التي وُجهت للنظرية البنائية

أهم الانتقادات التي وجهت للبنائية تتمثل بالآتي:

• تفرض النظرية البنائية على الطلبة ضغوطًا معرفية عليا قد لا يقومون بها.
• مهما مَنح المعلم طلبته فرصة التعبير عن أنفسهم فإن المعلمين يتحكمون فيما يقال وكذلك يتحكمون في القرارات التي يتم التوصل لها مما يؤدي إلى شعور الطلبة بعدم وجود صدى لما يرونه.
• لا يستطيع الطلبة بناء جميع أنواع المعرفة، فمثلًا كيف يمكن للمتعلم في المرحلة الإعدادية أن يصل بنفسه لمعلومة مثل: تتكون القشرة الأرضية من الصخور النارية والصخور المتحولة  والصخور الرسوبية؟ هذه المعلومة وغيرها الكثير يجب أن تُقدم للطلبة لانهم لا يستطيعون الوصول إليها بأنفسهم.
• لا تقدم البنائية دورًا محددًا للمعلمين أثناء تدريس الطلبة ولكنها تجذب الانتباه إلى أفكار الطلبة أثناء عملية التدريس.

والآن، لننطلق معًا إلى الجزء الأكثر أهمية في المقال وهو كيفية الاستفادة من النظرية البنائية في الغرفة الصفية.

أمثلة تطبيقية على النظرية البنائية في الغرفة الصفية

• تكليف الطلبة بعمل ما أو مهام معينة أو أية مهام أخرى للحصول على المعلومة مثل البحث عنها في مصادر المعلومات المختلفة المتوفرة كالمكتبة والبيت والإنترنت وعمل البحوث العلمية المناسبة لسنهم.
• تكليف الطلبة بمهام تساعد على رفع مهاراتهم في مجال الاتصال بالآخرين بشتى أشكاله التقليدية اللفظية اللغوية والإلكترونية مثل كتابة رسالة لشخصية معينة أو إعداد سيناريو معين …إلخ.
• توظيف التعلم من خلال الأقران لتشجيع الطلبة على تبادل المعلومات والخبرات فيما بينهم.
• تعزيز الطلبة بشكل مستمر بهدف تحفيزهم ورفع دافعيتهم لضمان استمرارهم في العمل.
• توظيف التعلم بالمشاريع والتعلم بالاستقصاء في تعليم الطلبة.
• تمثل استراتيجية التعلم التعاوني والعمل في مجموعات أساسًا لنموذج التعلم البنائي.

أعزاءنا المعلمون

إذا كنتم من المعلمين الذين يتبنّون نهج التعلم المتحور حول الطلبة وتسعون بشكل دائم إلى تفعيل دور طلبتكم في التعليم من خلال التجارب والأنشطة المتنوعة فهذه النظرية مناسبة لكم جدًا. كيف؟ أعطوا طلبتكم الفرصة لتمثيل دور العلماء ونمّوا بداخلهم الاتجاه الإيجابي نحو العلم ووفروا لهم كافة الفرص لممارسة ما يتعلموه وافتحوا أمامهم أبواب الحوار وأتيحوا لهم فرصة لحل المشكلات المتنوعة وساعدوهم على استخدام التفكير الإبداعي. هذه النظرية مناسبة جدًا لاستراتيجيات التعلم النشط فلا تبخلوا على طلبتكم بكل ما يساعدهم على تنمية وزيادة معارفهم.